تحدي ترجمة 11 مليون كلمة إلى اللغة العربية خلال عام، فهل أنت لها؟

إذا نظرنا إلى التاريخ نظرةً بانورامية شاملة وتأملنا سير الحضارات فيها وتعاقبها، وكيف ارتقت العلوم وازدهرت بشكل تبادلي بين الأمم المختلفة حتى الآن، لوجدنا أنّ كل نهضة كبيرة علمية وفكرية كانت تحدث بعد حركة كاملة من العلماء الخاصة، ونقل العلم إلى العامة من خلال استقدام العلوم من الحضارات الأخرى وتعلمها ثم الإضافة عليها والتعديل حسب الأبحاث التي يقومون بها، فليس من المعقول لكل عالم يريد أن يدرس أمرًا ما أن يبدأ من الصفر ويعيد كل ما تعب غيره بعمله واكتشافه …
تحدي الترجمة أحد مبادرات حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم
لذلك كانت حركات الترجمة الأولية التي قام بها العرب المسلمون في بدايات القرن السابع الميلادي في العصر الأموي والعباسي أول خطوة باتجاه العلم، وما أضافه العرب إلى العلوم اليونانية والفارسية والهندية، وما نقلوه عنهم من آدابهم وفلسفاتهم إلى العربية لتصبح متاحةً أكثر لكل من يرغب بالتعلم، واستمر هذا حتى بدأ عصر النهضة في أوروبا في القرن الرابع عشر حين أرسلت وفودًا من طلابها إلى الدول العربية وجامعاتها ليتعلموا منهم العلوم ولغتهم، وينقلون إليهم ما اكتشفوه وما تعلموه لتبدأ سلسلة الاكتشافات والاختراعات التي مازالت مستمرة حتى الآن بتوقيع علماء أوروبيين وأمريكيين وآسيويين …
وأعتقد أنّه حان الوقت لنعود ونتبادل هذا العلم، ولا نكتفي بما نعرف وبما وصل لنا منه دون أن نكون قادرين على متابعة كل جديد في عصر يتسم بالسرعة الكبيرة، والاكتشافات التي يمكن أن تصدر كل ثانية من مكان ما في العالم، وتجد في كل لحظة معلومةً جديدةً لم تكن تعرفها! … ولن تعرفها مالم تكن تعرف لغتين أجنبيتين على الأقل! … وهذا يحتاج وقتًا وجهدًا كبيرًا. لذلك؛ لأنّ المحتوى العربي العلمي في الكتب وعلى الإنترنت هو قليل جدًا، وسطحي جدًا لدرجة مأساوية …
جرب أن تبحث على اليوتيوب على فيديو تعليمي في موضوع علمي (أحياء – فيزياء – كيمياء) واكتب اسم البحث بالكلمة العربية، ثم بالإنكليزية وراقب الفارق بينهم …
الأمر مضحك لدرجة البكاء في الحقيقة، وهذا ليس استهانة بأي مجهود نقوم به، لكننا لم نصل بعد إلى الدرجة التي يمكن فيها الاعتماد على أنفسنا في المضمون العلمي العربي … فلماذا لا نستفيد من خبرات غيرنا، وتكون متاحةً أكثر للجميع بمن فيهم الطلاب الذين قد لايجيدون اللغات الأخرى؟! …
حيث أطلق نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مشروع محمد بن راشد للتعليم الإلكتروني العربي الذي يضم “تحدي الترجمة” كأكبر تحدٍّ من نوعه في العالم العربي يسعى إلى ترجمة 5000 فيديو بواقع أكثر من 11 مليون كلمة خلال عام واحد في مختلف مواد العلوم والرياضيات، بحيث يتم تعريب هذا المحتوى وإعادة إنتاجه وفق أرقى المعايير المعتمدة في المناهج الدراسية الدولية، ويكون متوفرًا مجانًا لأكثر من 50 مليون طالب عربي.
من خلال هذا التحدي الذي سيشارك فيه خبراء من كل الوطن العربي في الترجمة والتعليق الصوتي، والدعم الإعلامي وتحرير الفيديوهات كي نعيد إخراج هذه الفيديوهات بما يتناسب مع مناهج الوطن العربي في مواد الرياضيات وعلم الأحياء والفيزياء والكيمياء، بحيث تكون متاحةً بشكل مجاني لكل طلاب الوطن العربي بدعم من مشروع محمد بن راشد آل مكتوم للمبادرات، وقد تم استقبال 12 ألف متطوع من كافة أرجاء الوطن العربي خلال اليومين الأوليين من المبادرة التي انطلقت الأسبوع الفائت، مما يجعل هذا المشروع بشرى خير للعلم وانتشاره في الوطن العربي وعودته إلى مكانته الطبيعية، والتي من المفترض أن تكون أساس استعادة بعض المكانة بين دول العالم.
وحاجز اللغة هو أول الحواجز التي يواجهها الطالب في المغترب أو في بلاده حين يحاول أن يحصل على آخر المعلومات والأبحاث، فيتوجب عليه إضافةً لدراسة مواده دراسة لغات أخرى وإتقانها لاستخراج هذه المعلومات والقدرة على تفنيدها، وبهذه المبادرة نكون قد كسرنا أول الحواجز التي تعيق انطلاق العلم في بلادنا.

هل نحن العرب غير قادرين على إنتاج محتوى مميز؟

لا أعتقد هذا … فلدينا من العقول المبدعة في التقديم والتصميم والابتكار الكثير، وهناك الكثير من المهتمين الذين حاولوا وتوقفوا حين اكتشفوا أنّ هذا يحتاج دعمًا هائلًا ماديًا أولًا لا يمتلكونه، فاقتصر الأمر على بعض المبادرات الفردية الخجولة، ولا ألوم هنا إلّا المؤسسات التعليمية الكبيرة في الوطن العربي التي تملك ما يؤهلها لتكون داعمًا حقيقيًا للعلم والابتكار، وليس إنشاء أجيال مقتصرة على النسخ واللصق والحفظ كما تفعل المدارس الآن.
رغم التطور الكبير الذي حدث من ناحية دخول الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، إلّا أنّها حتى الآن مازالت تستخدم بشكل تافه وسطحي في معظم الحالات للأسف.
وبحسب الموقع الإلكتروني لمؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، فإنّ الباب مفتوح لتقديم طلبات التطوع، على أن ينتهي الموعد بتاريخ 18 أكتوبر، وتبدأ بعدها مرحلة الفرز في الأول من نوفمبر ليقع الاختيار على المتطوعين الأنسب والتواصل معهم في الثامن من نوفمبر، ليعملوا على ترجمة 5000 مقطع فيديو، ليتم نشرها عبر منصة متكاملة تطلق بعد عام من الآن.
فمن يجد في نفسه الحماسة ليكون مشاركًا بهذا العمل الضخم فلا يتردد بالمراسلة، وليكون مساهمًا في هذه المنصة التي كما أعتقد ستكون نقلةً نوعيةً في العلم والتعليم في الوطن العربي.
يمكنك الانضمام للمبادرة من خلال هذا الرابط.

تعليقات