العائد The Revenant: أوسكار أفضل دب غاضب!

الجميع يتحدثون، وسيواصلون التحدث لفترة ليست بالقصيرة مستقبلًا، عن بطل فيلم العائد The Revenant الرئيسي ليوناردو دي كابريو وفوزه أخيرًا بجائزة أوسكار أحسن ممثل والتي ظل يسعى إليها طيلة حياته الفنية. لكن هناك نجم لامع آخر لم يتم ترشيحه لأي من جوائز أكاديمية الفنون عن نفس الفيلم… ليس بشكل مباشر على الأقل!
على الأرجح شاهدت الفيلم، ومن بين المشاهد الدرامية التي يستعرض فيها الفيلم قساوة الحياة وصعوبة النجاة في البيئة والفترة الزمنية التي يتناولها الفيلم، يبرز المشهد الطويل والصريح لدرجة الصدمة لهجوم دب أشهب عملاق على هيوج جلاس (دي كابريو) في أعماق الغابة.
90
قصة الفيلم التي أرادها المخرج أليخاندرو جونزاليس هنا، والتي قد تختلف كثيرًا عن الأحداث الحقيقية المستقاة منها، تدور حول ملحمة شخصية لصائد القنادس هيوج جلاس على ضفاف نهر ميسوري حيث يتعرض لهجوم من دب بري، ويُترك ليواجه الموت وحيدًا بعد تخلي رفاقه الصيادين عنه. متحديًا مصيره الحتمي، يجد البطل بنفسه القوة الكافية للتغلب على جروحه المميتة وآلامه المبرحة ويزحف لمسافة 200 ميل كاملة سعيًا للانتقام.


رسم يعود لعام 1803 لهيوج جلاس الحقيقي
رسم يعود لعام 1803 لهيوج جلاس الحقيقي

هكذا، وباسم الفن، تعرض بطل الفيلم ليوناردو دي كابريو للتجربة الأكثر صعوبة وإيلامًا في حياته الفنية على الأرجح! ستراه طيلة الفيلم بينما يتعذب بلا هوادة وهو يزحف على وجهه، أو يتم جره عاريًا عبر الجليد، أو يضطر لينام داخل جثة حصان، أو يغطس مرارًا وتكرارًا في النهر المتجمد، أو يأكل الكبد النيء لثور البيسون!
the-revenant-vfx-0011-1200x800-c
the-revenant-vfx-004-1200x800-c
ولأنني لست هنا بصدد تقييم أداء دي كابريو وتمثيله بالفعل، سأعود مرة أخرى إلى بطل الفيلم الغائب الحاضر الآخر. لا لست أتحدث عن توم هاردي، بل أتحدث عن كرة الفرو المرعبة التي أثارت هلعنا بامتياز لدقائق قصيرة… الدب الأشهب!
the-revenant-vfx-before_002-1200x800-c
فعلى الرغم من اختلاف الكثيرين على درجة فجاجة المشهد ومبالغته في الدموية، إلا أن الجميع، بين ناقد ومتفرج، قد أثنوا علي مشهد هجوم الدب على دي كابريو ووصل الأمر بالبعض لأن يختذل في أريحية الفيلم بأكمله في هذا المشهد فقط! ليس لكونه يصور أحد أفضل لحظات الفيلم بأكمله فحسب، وإنما لكونه أيضًا شاهدًا على تطور تقنيات التصوير وصنع المشاهد.
“كان يمكننا الاستعانة بشاشات زرقاء بينما نرتشف القهوة الساخنة والكل في مزاج جيد. سيكون الجميع سعداء حينها، لكن الفيلم نفسه على الأرجح كان سيخرج كقطعة من القمامة لا قيمة لها.”
أليخاندرو جونزاليس، مخرج فيلم Birdman  و  The Revenant
لكن كيف أمكنهم تجسيد وتصوير هذا المشهد بهذه الواقعية المذهلة؟ الإجابة تتضمن كلمات بسيطة: ابتكار، عبقرية، ومؤثرات بصرية متقنة!
the-revenant-vfx-005-1200x800-c
لنستمع أولًا  إلى ريتشارد ماكبرايد، المشرف العام للخدع والمؤثرات البضرية في الفيلم يشرح لنا كيف سارت الأمور مع ذلك المشهد الذي لا ينسى!
التحدي الأكثر إثارة الذي واجهناه كان استحضار عقلية وطريقة تفكير الدب. توجب علينا تذكير أنفسنا أن هذا ليس بوحش على الإطلاق، وإنما هو حيوان طبيعي يتصرف على النحو المنتظر من قاطن بري ومفترس في الغابة. أراد إليخاندرو (المخرج) أن يخرج الهجوم مباغتًا وأن يتم تصويره بشكل لصيق لطرفيه كي يأتي غنيًا بالتفاصيل.”
the-revenant-vfx-003-1200x800-c the-revenant-vfx-007-1200x800-c
هكذا، استعان المخرج بممثل مشاهد خطرة ليؤدي دور الدب البري طيلة المشهد الذي استغرق تصويره أربعة أيام كاملة في غابات بريتيش كولومبيا بكندا. ولتأدية الدور بالواقعية المطلوبة، درس الممثل الذي أدى دور الدب عدد كبير من مقاطع الفيديو التي تتناول حركة الدببة وطرقها العنيفة في الهجوم قبل أن يرتدي البذلة الزرقاء اللامعة التي سيتم فصلها لاحقًا لإضافة التأثيرات البصرية وتجسيد الدب الواقعي.
the-revenant-leo-dicaprio-2
أما دي كابريو، فقد تم ربطه ووصله بمجموعة من الأسلاك والحبال التي سمحت بقذفه من بين أنياب الدب ودحرجته خلال الهجوم الذي دام لمدة 6 دقائق فقط ومع هذا بدا لنا عذابًا طويلًا  لا ينتهي. وهو ما قصده المخرج عندما قدم لنا الهجوم بطريقة اللقطة المفردة بلا فواصل أو انتقالات للكاميرا؛ أو هكذا بدا لنا الأمر بالطبع لأن المشهد الطويل في الواقع عبارة عن لقطات مطولة ومتعددة حاكها فريق المؤثرات الصرية البارع معًا لتبدو لنا انسيابية بلا انقطاع أو انتقالات ظاهرة للكاميرا.
لكن الاختبار الحقيقي لبراعة فريق المؤثرات البصرية كانت درجة اقتراب الكاميرا غير المسبوقة من طرفي الهجوم الوحشي لتصوير تلك اللقطات التي كتمنا فيها أنفاسنا بينما ينفث الدب الثائر أنفاسه الساخنة في عنق دي كابريو الممزق أو يغرز أنيابه في لحم فريسته البشرية العاجزة. ومع رغبة المخرج في تقريب الكاميرا لأكبر حد ممكن، صار الأمر أصعب وأصعب. فكما اكتشف ماكبرايد وفريق المؤثرات البصرية لاحقًا، فإن العنصر الأكثر تعقيدًا لتجسيد الدب بشكل واقعي تمامًا كان يتعلق بشيء آخر … الفرو!
THE REVENANT Copyright © 2016 Twentieth Century Fox Film Corporation. All rights reserved. THE REVENANT Motion Picture Copyright © 2016 Regency Entertainment (USA), Inc. and Monarchy Enterprises S.a.r.l. All rights reserved.Not for sale or duplication.
يقول ماكبرايد: “يمثل الفرو دائمًا تحديًا كبيرًا بالنسبة لنا، خاصة عندما يتم تصويره عن قرب. حيث يجب العناية بأمر درجة ابتلاله، وكذلك حطام الأعشاب والأشجار العالق به؛ لذا درس فريقي البيئة المحيطة بعناية وانتهوا إلى دمج حطام الأشياء المحيطة بالدم والأمطار في الفرو. ولتقليد حركة الفرو الطبيعية، ابتكرنا عددًا من الأساليب الجديدة لمحاكاة طبيعة حركة ومظهر الدب على مستويات عدة، بدءًا من الهيكل العظمي، إلى العضلات، والجلد.”
والنتيجة؟
بثلاثة جوائز أوسكار: جائزة أفضل مخرج، جائزة أفضل ممثل رئيسي، وجائزة أفضل تصوير سينمائي نجد النتيجة تتحدث عن نفسها…
أم هل نقول تزأر عن نفسها؟!

تعليقات