#الفلسفة_والموسيقى .. ما بين العقل والروح!

music-1
المقطوعة الموسيقية ربما تكون دقيقة أو أكثر لا يهم، فهي خُلقت لتستمع إليها وتحلّق وتسرح معها في خيالك إلى عالم آخر، ولتلامس مشاعرك الداخلية العميقة، وهي كانت وسيلة لتحرر الإنسان من القيود الوجودية. والموسيقى هي أحد أهم فروع الفلسفة منذ زمن طويل…

 الإغريق

الفلسفة والموسيقى - الإغريق
كانت الموسيقى عند الإغريق علماً فلسفياً ذات أهمية كبيرة، حيث وضعوا القواعد والأسس الموسيقية ضمن علم رياضي ومنطقي واقعي، فمن فيثاغورس الذي يعتبر أول من قادها ووضع قواعدها، واعتبر أن جمال الموسيقى يكمن في النسب والعلاقات الرياضية والانسجام الدقيق بين حركة الكواكب، إلى أفلاطون الذي تبنّى الفيثاغورية ودرس بها وأعطاها أهمية كبيرة، وكانت آراءه الأخلاقية تنص بأن الموسيقى هي لخدمة الرب، وأن الموسيقى يجب أن تكون ملتزمة بالألحان اللاهوتية، لا أن تُعبّر عن حالة الموسيقي وإحساسه وشعوره الداخلي، وكانت الأولوية عنده للعقل والفكر أما الجانب المحسوس فلا وجود له في فلسفته.
لكن هل الموسيقى فقط علم دقيق رياضي يقوم على أخلاقيات وقواعد منطقية بعيدة عن المشاعر الداخلية للموسيقي؟!

الثورة الفرنسية

الفلسفة والموسيقى - الثورة الفرنسية
دعونا ننتقل إلى “الحركة الرومنسية” في أواخر القرن الثامن عشر، والتي تُعدّ ثورة على جميع القيود والأصول والتقاليد الفنية، للخروج من سيطرة الآداب الإغريقية المفروضة على الإنسان لتكون بداية لانطلاق الفنان نحو الوجدان والخيال والجذور العاطفية ليعبّر عن عواطفه ومشاعره ضمن إطاره الفني، وهذه الثورة أدت إلى فتح أبواب كثيرة، وأدت إلى ظهور حركات عديدة كالحركة “البوهيمية” على سبيل المثال، وحركات أخرى كان لها تأثير على المجتمع، ليبدأ الإبداع وانطلاق الموسيقي ليلامس مشاعره الداخلية وليعبر عنها بكامل الحرية، وكان “جان جاك روسو” و”فكتور هوجو” من أهم رواد هذه الحركة.

شوبينهاور – نيتشه

شوبيرت - نيشيه - الفلسفة والموسيقى
“شوبنهاور و نيتشه” أرتور شوبنهاور الفيلسوف الألماني والملهم الموسيقي الكبير الذي أثر بفكره وفلسفته على الكثير من الفلاسفة والموسيقيين، وفلسفته التي كانت الركيزة التي انطلق منها الفيلسوف والموسيقي الألماني “نيتشه” الفيلسوف المهووس بالموسيقى والذي عانى من الخيبات والإحباط في حياته كمؤلف موسيقي، ليتخلَ بعدها عن الموسيقى ويدخل ميدان الفلسفة حيث هناك وجد ذاته، وكان نيتشه يعتبر أن كل مسيرته الفلسفية والفكرية وكل ما ألّفه من كتب هو شكل من أشكال الموسيقى الجديدة المختلفة، والتي هي في الواقع قد ألهمت الكثير والكثير من الموسيقيين في العالم حتى وقتنا هذا.
يمكن اعتبار أن الفلسفة وفكر كل من شوبنهاور ونيتشه وفرويد عالم النفس المعجب بشوبنهاور، قد كان لها التأثير الحقيقي الذي أدى لنشوء العديد من الأنماط الموسيقية تقنياً وفكرياً، والتي أدت إلى أن يصبح الموسيقي فيلسوف يعبّر عن أفكاره ويبدع بابتكار أساليب موسيقية مختلفة.

الكندي – الفارابي

فارابي كندي - الفلسفة والموسيقى
لنذهب قليلاً إلى مكان آخر، إلى العالم العربي، حيث الفارابي والكندي وابن سينا والكثير من الفلاسفة والعلماء العرب والمسلمين الذين كان لهم الفضل الكبير في وضع القواعد والأسس والنظريات للموسيقى العربية والتي كانت هي أيضاً ضمن الأصول والأخلاق، فقد جسّدت الفلسفة الإغريقية، ودرست الموسيقى من منظور علمي ومنطقي وطبي أيضاً، وكان الكندي أول من وضع قواعد الموسيقية العربية، والفارابي كان فيلسوف وعبقري موسيقي وعازف، وضع الكثير من الأسس والنظريات من خلال كتابه “كتاب الموسيقى الكبير”.
اعتقد في هذا المكان أن الصوفية كفلسفة روحانية قد كان لها دور كبير في تغيير المفهوم العلمي للموسيقى، وإثراء الموسيقى العربية بالجانب الروحي، فقد ذهبت بالموسيقى العربية إلى مكان آخر … مكان يحتوي على مشاعر أكثر، مكان يحتوي على صفاء الروح والتأمل بالذات الداخلية فالمقامات والألحان لم تكن محدودة ضمن قواعد موسيقية سابقة، لينطلق الموسيقي العربي إلى أماكن أوسع وأكثر عاطفية، ولتكون مصدر إلهام للكثير من الموسيقيين في العالم وليس فقط في العالم العربي، الذين هم بالتالي قد جسدوا تصوفهم أو تأثرهم بالفكر الصوفي ضمن مقطوعاتهم الموسيقية والتي استمرت بالتطور والتنوع إلى وقتنا هذا.

جلال الدين الرومي – شمس التبريزي   

الفلسفة والموسيقى - جلال وشمس
“شمس الدين التبريزي وجلال الدين الرومي” من أهم الفلاسفة والشعراء والمفكرين المتصوفين، كان شمس الدين التبريزي الأستاذ الذي تتلمذ على يديه جلال الدين الرومي، وقد شجعوا من خلال فكرهم وشعرهم إلى الإصغاء إلى الموسيقى، وكانت تعاليمهم تنص على أن الموسيقى والتنصت للموسيقى هي رحلة روحية، تأخذ الإنسان في رحلة تصاعدية من خلال المحبة والتسامح والشغف للوصول إلى الكمال والصفاء الروحي، وبعدها فإن العودة إلى الواقع تكون مختلفة، حيث تكون نفس الإنسان أكثر تسامحاً ومحبة.
لم تكن الحركة الرومنسية بعيدة عن العالم العربي، وقد ظهرت من بلاد الشام “سوريا” ثم في باقي بلدان العالم العربي، وأدى ذلك لظهور العديد من الفلاسفة والأدباء مثل: “جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، إيليا أبو ماضي، خليل مطران“، وقد كان لهم دور في تغيير الاتجاه الفلسفي الذي بدوره قد أدى لظهور العديد من الموسيقيين والشعراء المتأثرين بفكرهم كمصدر إلهام لفنهم المتحرر.

بعض الاقتباسات الفلسفية عن الموسيقى:

# “الموسيقى لا تتحدث عن الأشياء، أنها تتحدث بكل بساطة عن المتعة وعن العذاب “اللذان هما الحقيقتان الوحيدتان للارادة” لهذا هي تتوجه مباشرة إلى القلب ولا علاقة لها بالعقل”  –  شوبنهاور
# “أولئك الذين نراهم يرقصون يظنهم من لا يستطيع سماع الموسيقى مجانين”  –  نيتشه
# “توجد هندسة في دندنة الأوتار، كما توجد موسيقى في فراغات الأشكال الكروية”  –  فيثاغورث 
# “كمال اقتران اللحن هو مثل كمال اقتران لوني الياقوت والذهب”  –  الفارابي
# “لا أظن أن الله (عز وجل) منحنا الموسيقى – لا الموسيقى التي نصنعها بأصواتنا وآلاتنا فحسب، بل الموسيقى التي تغلف كل أشكال الحياة، ثم حرّم علينا أن نسمعها. ألا يرون أن الطبيعة برمتها تغني؟ فكل شيء في هذا الكون يتحرّك بإيقاع: خفقات القلب، ورفرفة أجنحة الطير، هبوب الريح في ليلة عاصفة وطرقات الحداد وهو يطرق الحديد، أو الاصوات التي تغلف الجنين داخل الرحم.. كل شيء يشارك في انبعاثها، بحماسة وتلقائية، في نغم واحد رائع. وما رقصة الدراويش إلا حلقة في تلك السلسلة الدائمة. وكما يحمل ماء البحر في داخله المحيط برمته، فإن رقصتنا تعكس أسرار الكون وتغلفها”  –  شمس الدين التيريزي
المصدر 1 

تعليقات