تعلم كيف تكون متفوقا في كل شيئ


نُشِرَت النسخة الإنجليزية من هذه المقالة التي أقدمها لكم اليوم بالعربية، في موقع مجلة هارفرد بزنس ريفيو الشهيرة التابع لجامعة هارفرد. كاتب المقال هو طوني شوارتز الرئيس التنفيذي لمشروع The Energy Project وصاحب كتاب “كن متفوقاً في أي شيء”. يمكنكم متابعته من خلال حسابه في تويتر Twitter.com/TonySchwartz أو حساب المشروعTwitter.com/Energy_Project
11 STRESSFUL thumb الإجهاد ليس عدوّنا (عن هارفرد بزنس ريفيو)
كم مرةً تتعمّد الضغط على نفسك بشكل يخرجها من نطاق راحتها؟
أعلم أن سؤالي يبدو غريباً ولكن هناك سبب وراءه: إجهاد نفسك هو الوسيلة الوحيدة المنهجية لتصبح أقوى جسدياً وعاطفياً وفكرياً وروحياً. بل إنك ستضعف إذا لم تُخضعها للإجهاد.
نتوهم في حياتنا بأن الإجهاد عدو لنا. ولكن في الحقيقة العدو الحقيقي هو فشلنا في الحصول على فواصل من الراحة  لوقت كافٍ نوازن من خلالها بين الإجهاد الذي نحتاجه والراحة التي نحتاجها. فأنت إذا لم تُخضع جسدك للضغط سيضعف ويضمر وستفوتك فرصة التعرف على مقدراتك الكامنة. ولكن في المقابل أيضاً، إذا أجهدت نفسك إجهاداً مزمناً لفترة طويلة دون الحصول على قدر كافٍ من الراحة والنوم العميق الكافي لاستعادة النشاط ستكون النتيجة إنهاك جسدك وتدميره.
من السهل ملاحظة هذا على المستوى الجسماني. ففي غياب تمرين منتظم ينشّط القلب والأوعية الدموية، مثل تمارين الآيروبك، تتناقص قدرة القلب على ضخ الدم بكفاءة، فتنخفض بمعدل 1% سنوياً في عمر 30 إلى 70 عاماً ثم تنخفض بسرعة أكبر بعد ذلك. كذلك يؤدي تكاسلنا عن القيام بتمارين القوة، أو ما يعرف أيضاً بتمارين الحديد، إلى خسارتنا 1% من كتلة العضل الصافي في الجسم كل سنة بعد سن الثلاثين.
على أن هذه التأثيرات يمكن عكسها حتى ولو في مرحلة متقدمة من العمر. أُثبت هذا في سلسلة من الدراسات خضع لها مجموعة من نزلاء أحد دور العجزة، متوسط أعمارهم 87 عاماً، في برنامج تمارين قوة تستغرق كل جلسة من جلساته 45 دقيقة، وذلك لثلاثة أيام في الأسبوع، بحيث يحصلون على قدر كافٍ من الراحة بين جلسات التمارين. والنتيجة كانت أن قوتهم ازدادت بأكثر من الضعف في غضون 10 أسابيع فقط.
قد يبدو المبدأ بسيطاً ولكنه ليس بديهياً بالكامل، فكلما دفعت نفسك أكثر وعرضتها للمشقة فإنك توعز إلى جسدك لكي ينمو، وهذا النمو يحدث أثناء فترة الاستراحة، ويسمى  بالمكافأة الكبرى (Super Compensation).  أما ما يمكن أن يحدّ من نموك، فلا شيء إلا مدى المشقة الذي يمكنك احتماله.
وهنا تبرز أهمية التركيز والذي هو أساس الأداء العالي. لسوء الحظ، عقولنا لها عقول تفكر بها، ولهذا تراها تحلّق من فكرة إلى أخرى. ويزيد من صعوبة قدرتنا على التركيز وجودنا في هذا العصر الرقمي حيث التركيز فيه أصلاً صعب، فلم يحصل أن كان الإنسان مجبراً على مجابهة هذا الكم الهائل من الإلهاءات المغرية كما هو الحال اليوم.
لهذا، عقلك يحتاج للتمرين، وهذا يكون بنفس أسلوب تدريب جسدك. مثلاً، عند التركيز على أمر واحد لفترة محددة من الوقت، كعدّ دقات قلبك، أو القيام بعمل شاق، أو قراءة كتاب صعب،  فأنت تُخضع تركيزك للإجهاد.
والصعوبة في التركيز تظهر عندما يبدأ عقلك بمحاولة حثّك على التفكير بأمور أخرى تشتت تركيزك. وهنا يكون التمرين الحقيقي قد بدأ، والذي ستتعلم من خلاله كيف تتحكم بتركيزك.
كلما كان تمرينك شاقاً أكثر، حتى ولو لفترات قصيرة من الوقت ستصبح أقوى. أما عدم قيامنا بهذه التمارين فله نتيجة عكسية، حيث ينتج عنه اضمحلال التركيز. لأن معظم ما نقوم به يومياً يتطلب  منا بذل القليل جداً من الجهد ولا يترك وراءه سوى  شعوراً عابراً بالرضا.
بالنسبة لي تعتبر كتابة مقالةٍ في هذه المدونة نوعاً من التدريب الذي أرغم نفسي طوعياً على الخضوع له لبضع ساعات في كل أسبوع. فكتابة مقالةٍ يتطلب مني التفكير العميق والبحث في موضوع يهمّني، ثم وضع أفكاري في عبارات سهلة وبسيطة ومتماسكة تعبّر تماماً عمّا أريد قوله. بالطبع، تُبدي نفسي عادةً مقاومة لهذا النوع من الإجهاد، ولأتغلب عليها أُلزم نفسي بالكتابة في وقت محدد، ولمدة 90 دقيقة متواصلة قبل أن آخذ أي استراحة.
إلا أنّ التفكير العميق أمرٌ محبطٌ وصعب التحقيق، خاصةً في بداية الجلسة، حيث أجد نفسي تحثني على التوقف عن التفكير والذهاب لأكل شيء أو تفقد بريدي أو الانشغال بأي شيء آخر غير الكتابة. لا أنكر أنّ هذه المغريات قد تتمكن مني في بعض الأحيان، إلا أنني في الغالب أنجح في التغلب عليها، خاصة عندما أستذكر أن بقائي مركّزاً على المهمة التي بين يدي أنفع لي وسيشعرني بقيمتي وإنتاجيتي أكثر بكثير مما لو تركتها واتجهت إلى أداء أمور يومية تافهة سأجد وقتاً لها لاحقاً بأية حال.
كما أننا بعد إكمالنا لعمل يتطلب جهداً، أو تدريبٍ شاقٍ أو الانتهاء من قراءة كتاب صعب، سنستمتع بوقت راحتنا أكثر، لمعرفتنا أننا نستمتع بوقت نحن بحاجة له لنجدد طاقتنا، نلناه عن جدارة واستحقاق بعد تعب، وليس وقتاً خطفناه بفضل مهارتنا في التهرّب.
ولكن تبقى المشكلة عادةً أن معظمنا يحبّ البقاء مرتاحاً، مما يفقدنا لذّة الاستمتاع بطعم الراحة وننسى أهميتها لتجديد الطاقة بعد التعب. ونبقي بهذا أنفسنا في المنتصف، فلا نحن نندمج بجدّ وجهد في أعمالنا ولا نحن نستغرق بعمق في فترات الاستراحة.
إنّ أفضل وصفة تجعلك تشعر بأن لحياتك معنى هي من خلال رفع ذروة عطائك عن طريق المزاوجة بين بذل جهد كبير تتبعه راحة كافية تكفي لتجديد حيويتك. ما نوع التمارين التي تقوم بها لتدفع نفسك خارج نطاق راحتها؟ ثم ماذا تفعل للحصول على الراحة وتجديد نشاطك؟